الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآء} (النساء: 3). 5063- قوله: (فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلّم؟ أي قالوا ذلك في أنفسهم، تأويلاً لما بلغهم من قِلَّة عبادة النبي صلى الله عليه وسلّم حسب ما قدَّروه في أنفسهم.
قال الخطابي: أصلُه الموضِعُ الذي يتبوأه، ويأوى إليه، والمراد به النكاحُ وحقوقُ الزوجية من المَهْر وغيرها كلّها. وقيل: المراد به الجِماع. قلتُ: وحينئذ لا يلائمه آخِرُ الحديث، لأنَّ الحديثَ هكذا: «مَن استطاع منكم الباءةَ، فليتزوج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم»... إلخ، فلو أردنا من الباءةِ الجماع، كان المعنى مَنْ لم يستطع الجماع فعليه بالصوم، ومعلومٌ أنه إذن لا حاجةَ له إلى الصوم، لأن الحاجةَ إليه لانكسارِ الشهوة، ومَنْ لا يقدر على الجماع يستغني عنه لا محالة. 5065- قوله: (قال: كُنْت مع عبدِ الله، فَلَقِيَهُ عثمانُ بِمنَى)... إلخ، كان بين عثمانَ وعبد الله بن مسعود شيءٌ، لأن عثمان لم يُدْخِله في جَمْع القرآن، فلما لَقِيه أراد أن يجبر خاطِرَه فدعاه وتكلَّم معه، كأنه يناجي به، ولم يكن المقصود إلاَّ إرضاءه، فلما استشعر به ابنُ مسعود، ورأى أنه ليس له حاجةٌ مخصوصة، أشار علقمة، ودعاه عنده... إلخ.
5067- قوله: (كان يَقْسِم لثمانٍ، ولا يَقْسِم لواحدةٍ) وتلك كانت سَوْدة. 5068- قوله: (كان يطوفُ على نسائه في ليلةٍ واحدةٍ).
فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ. 5071- قوله: (أَلاَ نَسْتَخْصي؟ فنهانا عن ذلك) فالاختصاء حرام، والتبتل مكروه.
5075- قوله: (ثُم رَخَّص لنا أن نَنْكِحَ المرأةَ بالثوبِ) ومن ههنا نُسِب إلى ابنِ مسعود جوازُ المتعة، مع أنه لا حاجةَ إلى حَمْل التزوج على نِكاح المتعة، بل هو على المعروف. أما ذِكْر الثوب فلكونه مَهْراً مُعجَّلاً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِكْراً غَيرَكِ.
وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ».
5078- قوله: (إن يكن هذا مِن عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِه) أي إنْ يكن هذا هو تعبير الرؤيا من الله تعالى يُمْضه كذلك، وإنْ أراد منها غيرَ ما في الظاهر، فهو أعلم به. فرؤيا الأنبياءِ وحيٌ وإن احتاجت إلى التعبيرِ، فالتردُّدُ ليس إلاَّ في تعبيرها.
حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ: بَينمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ- فَذَكَرَ الحَدِيثَ- فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ، قالَتْ: كَفَّ اللّهُ يَدَ الكافِرِ وَأَخْدَمَنِي آجَرَ». قالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَتِلكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي ماءِ السَّمَاءِ.
وقد علمت أَنَّ نفس الإِعتاق يَصْلُح مَهْراً عند الشافعي، ولا يصلح عندنا. والرواةُ يذكرون واقعةَ صفيَّةَ على لفظين: الأول: وجعل عِتْقَها صَدَاقها، وهذا العنوان أقربُ إليهم، وقد يفصلون العِتْق عن التزوّج، فيقولون: أعتقها وتزوَّجها، وهو أَصْرحُ للحنفيةِ. 8084- قوله: (فتلك أُمُّكم يا بني ماءِ السماء) يعني أنكم تتعاظمون في أنفسكم، وتلك أُمُّكم.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوجِكُمْ وَأَوْلدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} (التغابن: 14). قوله: ({فَجَعَلَهُ نَسَباً}وَصِهْراً (الفرقان: 54)) {نَسَباً} أي ددهيال، {وَصِهْراً} سُسرال. 5088- قوله: (فَذَكَر الحَدِيث) وهو أنه أَمَرها أن تُرْضِعه، وكان سالماً إذ ذاك كبيراً. وحَمَله العلماءُ على الخصوصيةِ، وإلا فالرضاعةُ من المجاعة. 5089- قوله: (حُجِّي واشتَرِطِي) وقد عَلِمت أن المُصنّف خالف الشافعي في مسألة الاشتراط، فأخرج هذا الحديث الصريحَ من كتاب الحج، وأدخله في النكاح، وهذا من تصرفاته البديعة في كتابه. 5090- قوله: (فاظفر بذات الدين) أي الناس يهتمون بالمال والجمال، وأما أنت فاظفَر بذاتِ الدِّين. 5091- قوله: (هذا خيرٌ مِن مِلء الأَرْض مِثْلَ هذا) ولم أر التكثير والمبالغة مِثْله في الحديث إلا نادراً.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَاعَ} (النساء: 2). وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السَّلاَمُ: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ} (فاطر: 1). يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاع. وفي الحديث مسألةُ خِيار العِتْق، والروايات في زَوْج بريرةَ مختلفةٌ، ومال البخاري إلى كونِه عبداً عند العِتْق. قلتُ: ولا يخالِفُنا الحديثُ على هذا التقدير، فإنْ ثبت كونُه حراً كان حجةً لنا؛ وبالجملةِ الحديثُ حجةٌ لنا على تقدير، ولا يخالفنا على تقدير. وقد عارضه العينيُّ، فأتى بأسماء الرواة الذين قالوا: إنه كان حُرّاً، وادَّعى أنهم أكثرُ عدداً مِمَّن رَوَوا كونَه عبداً، وقد سخر ههنا ابنُ القَيِّم على تفقّه صاحبِ «الهداية». أقول: والأَوْلى أن يُؤخذ بِتفقّه الطحاوي، وقد ذكرنا كلَّه من قبل.
وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. وقد ذكرنا مسألة الرَّضَاعة مِن قبل، والمصنف وافقنا في المسألة، وجعل عمومَ القرآنِ معمولاً به، وترك مذهب الشافعيِّ، فإنه وَقَّت بخمس رضعات مُشْبِعات في أوقاتٍ مُخْتلفة جائعات، ووقت أحمدُ بثلاثٍ قلنا: وإذا ثبت النَّسْخ في الجِنْس، فالظاهر النَّسْخُ رأساً. 5099- قوله: (الرَّضَاعةُ، تُحرِّم ما تحرِّمُ الوِلادَةُ) أحال حديثَ مُحرَّمات الرِّضاع على مُحرَّمات النَّسب، وقد بسطها الفقهاءُ، وضبطها صدرُ الشريعة في أربعة ألفاظ: الأُصول، والفروع، وجميع فروعِ أصلِ القريب، وصُلْبيات أَصْلِ البعيد، ونقحت محرمات الصِّهر في بيت: وزوجةُ الفَرْع والأصول *** وأم عرس وابنة المدخول فأُصول الواطىء وفروعه تَحْرُم على الموطوءة، وكذا أصولها وفروعها تَعْرُم على الواطىء. ومرَّ أنَّ ابن الهُمام أورد على الضابطةِ المذكورةِ: امرأة الابن الرَّضَاعي، ومَرّ الجواب عنه أيضاً، فلا تفيدُه. 5099- قوله: (هذا رجلٌ يستأذِنُ في بيتِك)... إلخ. قيل: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قد كان أخبرها مَرَّةً عن المسألة في العمِّ بقوله: «إنهُ عَمّك فليلج عليك، تَرِبت يمينُك»، فماذا كانت تستفته. وفي «الموطأ» لمالك: أنها إذا أرادت أن يَأذَن رَجُلاً بالدخول عليها بعث به إلى بناتِ أُختها، دون بنات أخيها، وفيه مسألة لبن الفحل، وقد مر الكلام فيها. وأُجيب عن الأَوّل أنَّ للعم الرَّضاعي صوراً، فلعلها عَلِمت بَعْضَها دون بَعْض. 5100- قوله: (ابنةُ أخِي من الرَّضَاعة) وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وحمزةُ ارتضعا على ثُوَيبةَ جاريةِ أبي لهب. 5101- قوله: (أو تُحِبين ذلك؟) استخبرها أَوَّلاً عَمَّا في صدرها، ثُم عَلَّمها المسألة. وهذا نظيرُ قوله: «أتحلفون»- في القسامة- فإِنّه لم يُوجِّه اليمين إليهم أَوّلاً، ولكنه كان على نَحْو الاستخبار عما عندهم، لينكروا عنه من فطرتهم، فينصرف اليمين إلى المُدّعى عليهم لا محالة، لأنه إذا لم تكن عندهم بينةٌ، وهم لا يَحْلِفون، سواء كان عليهم أو لا، فما السبيلُ إلاَّ إلى صَرْف اليمين إلى المُدَّعى عليهم. 5101- قوله: (غيرَ أنِّي سُقِيت في هذه بِعَتَاقَتِي ثُوَيبة) فيه دليلٌ أنَّ طاعاتِ الكفار تنفع شيئاً، ولو لم تدرأ العذابَ، كما مهدت فيما مر.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233). وَما يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ. وافق فيه الجمهور وخالف أبا حنيفة. وما أجاب بِه صاحب «الهداية» ههنا فهو رَكِيكٌ جداً، فإِنه جعل أَثَر عائشة منقصاً للمُدّة، فراجعه، فإِنه ليس تخْصِيصاً، بل يُشْبه النَّسْخ، لأن القرآنَ ذكر فيه العددَ دون العُموم، ليقال: إِنَّ أَثَرها مُخَصِّص. وبحث فيه ابنُ الهُمام في «الفتح»، واختار مَذْهب الصَّاحِبين. وأجاب عنه الزَّمْخَشري أنَّ المرادَ مِن الحمل حَمْلُه على الأيدي، فصار ثلاثونَ شهراً كلّها مُدَّة الرَّضاعة، وبعدها الفِصال، لأن الولد يُحْمل على الأيدي زَمَنَ الرَّضاعة. وعندي أَصْل المُدةِ هي سنتانِ كما ظهرت في مسألة حِلّ أَخْذ الأُجرة للأم المُطَلّقة. فما خفي في مُدّة الرَّضاعة انكشف في مُدّة الأُجرة، وسِتّة أشهر من تتمّتها لتمرين الأَكْل. فإِنَّ النصّ لم يخاطِبه بالتمرين في السنتين، وبعدهما لا بد له مِن مُدّة يُمرّن فيها على أَكْل الطعام من النصِّ. فعلم أَنَّ السنتين ليستا مِن المدّة التي لا تجوز الزيادةُ عليها، ولو كان كذلك لأخذها الحديثُ، ولدارت عليها الأَحْكام، مع أَنَّا لم نجد لها في عامّة الأحاديث ذِكْراً، بل أكثرها على شَاكِلةِ قوله: «إنما الرضاعة من المجاعة». فهذا أَقْربُ وأَوْضح القرائن على عَدَم كونها مَداراً، ولك أن تقول: معناه حَمْلُه ما يكون في الخارج، وفِصَاله ثلاثونَ شهراً، وإنما أبهم مُدّة الحَمْل لكونها غَيْرُ مُتعيِّنة في الخارج، وقد تكلَّمنا عليه فيما مَرَّ بِوَجْهٍ أبسط من هذا وأوضح، فراجعه.
وقد ذكرنا مَالَه، وما عليه فيما مرّ، وكذا الباب الآتي، وتكلَّمنا عليه في كتاب العلم، فراجعه.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَتُكُمْ وَأَخَوتُكُمْ وَعَمَّتُكُمْ وَخَلَتُكُمْ وَبَنَاتُ الاْخِ وَبَنَاتُ الاْخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيَتَينِ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء: 23- 24) وَقَالَ أَنَسٌ: {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ النّسَآء} ذَوَاتُ اْلأَزْوَاجِ الحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَنُكُمْ}، لاَ يَرَى بَأْساً أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ. وَقالَ: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (البقرة: 221) وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ما زَادَ عَلَى أَرْبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ. فضبط القرآنُ المُحرَّماتِ النَّسَبيةَ في سبعة ألفاظ. قوله: (إلاَّ ما ملكت أَيْمانُكم) لا يُرَى بأساً أن ينزع الرَّجُل جارِيتَه من عَبْده، تَمسّك به أنس على مسألتين خلافَ الجمهورِ: فذهب إلى أنَّ المَوْلى يملك التفريقَ كما يملك التزويجَ عند الجمهور، فله ولايةُ الإِجبار عنده في الطَّرفين؛ وذهب إلى أنَّ الشِّراء مُبْطلٌ للنِّكاح، فإِنَّ الشِّراء مُوجِبٌ للمِلْك، والمملوكة حلالٌ بالنصِّ، قال تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ} ومِن لوازِم الحِلِّ بطلان النِّكاح لا محالة. وللجمهور خلافٌ في المسألتين، وتأويله الجمهور على أنَّ المرادَ منه ما ملكت أيمانُكم في الغَزْو على طَوْر السَّبي. ثم الفقهاءُ اختلفوا في مَناطِ الفُرْقة، أنه تبايُن الدارينِ أو السَّبي؟. قلتُ: والمتبادر من النصِّ أنه السَّبي، فعنوان النصِّ أَقْربُ إلى الشافعيةِ، وقد كُنت عَلَّقت عليه تَذْكرةً ذكرت فيها الوَجْه للحَنَفيةِ، ويظهَرُ منها التفصِّي عن استدلال أَنَس أيضاً. 5105- قوله: (عن ابنُ عباس: إذا زَنى بأُخْتِ امرأته) لما فَرَغ من المُحرّماتِ من جهةِ النَّسَب، والصِّهر، والجمع، وتعرّض إلى مسألةِ الزِّنا؛ فاعلم أنَّ حُرْمةَ المصاهرة تثبت عندنا بالزِّنا ودواعيه، ولم يذهب إليه ابن عباس. ورُوي عن محمد أنَّ مَنْ زنى بأختِ زوجته، فلا يطأ زوجته حتى تَحِيضَ حيضةً، توقياً عن الجمع. 5105- قوله: (ويُرْوى عن يَحْيى الكِنْدِيِّ عن الشَّعبي، وأبي جَعْفر: فيمن يَلْعَبُ بالصَّبيِّ، وأَدْخَله فيه، فلا يتزوَّجَنَّ أُمِّه) فهؤلاء قد سبقوا الحنفية حيث أثبتوا الحُرْمة مِن اللواطة أيضاً. 5105- قوله: (وقال عِكْرمة:)... إلخ. فلم يذهب هو أيضاً إلى إثباتِ الحُرْمة من الزنا، إلا أنَّ المصنِّف تكلَّم في إسنادِ بالانقطاع. 5105- قوله: (يُرْوى عن عِمران بن حُصَين، وجابر بن زَيْد، والحسن، وبَعْض أَهْل العراق- وهم الحنفية تَحْرُم عليه). 5105- قوله: (وقال أبو هريرة: لا تَحْرُمُ عليه حَتَّى يُلزِق بالأرض، يعني بجامع) وجوّلإه ابنُ المسيّب، وعُروة، والزُّهري، فلم يذهبوا إلى إثباتِ الحُرْمة؛ وبالجملةِ ثبت فيها الاختلافُ في السَّلَف، فأثبتها إمامُنا، وأنكرها الآخَرُون قلتُ: أما المرفوعُ فلا فَصْل فيه، بقي الآثار، فقد جمعها الشيخُ علاء الدين في «الجَوْهر النَّقي».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الجِمَاعُ. وَمَنْ قالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ في التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم لأُمِّ حَبِيبَةَ: «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ». وَكَذلِكَ حلائل وَلَدِ اْلأَبْنَاءِ هنَّ حَلاَئِلُ اْلأَبْنَاءِ. وَهَل تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ في حَجْرِهِ؟ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم ابْنَ ابْنَتِهِ ابْناً. قوله: (وهل تُسمَّى الرَّبِيبة، وإنْ لم تكن في حَجْرِه) أي إنَّ بنتَ زوجتِه ربيبةُ في كلِّ حال، سواء كانت في حَجْره، أو حَجْرِ غيره. قوله: (وسَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ابنَ ابنتِهِ ابناً) وهذا الذي أراده الفقهاءُ من قوله: وإنْ عَلَوا. قوله: (لَوْ لَم تَكُن رَبِيبتي ما حَلَّت لي) أي لو لم تكن رَبِيبتي أيضاً، ما حلَّت لي أيضاً، فسقط البحثُ من قولنا أيضاً.
وهذه هي حُرْمة الجَمْع.
والضابطة فيه عندنا أنه لا يجوزُ الجَمْع بين كلِّ امرأتين لو فُرِضت إحداهُما ذَكَراً لم تحِلّ لها النِّكاح بالأُخْرى، ويُشْترطُ ذلك أن يتصوّر من الطرفين. وأورد عليه ابن القَيِّم في «أعلام الموقعين» قال: وهي زيادةٌ على الكتاب من خَبرِ الواحد. وهو ساقِطٌ عندي، لأنَّ هذا مَجْمعٌ عليه فلم يبقَ خبراً واحداً. وقد مرَّ أنَّ خَبر الواحِدُ عِند المُحدِّثين ما كان له سَنَدٌ دون المشهور، وعند الأصوليين هو ما لم يُتلقَ بالقَبول في عهد السَّلف، فإِن تُلقِي فهو مشهورٌ. فهم قَسَمُوا الخبرَ باعتبار التلقِّي وعدمِه، فبالتلقي يصيرُ الخبرُ عندهم مشهوراً، فتجوز به الزيادةُ على الكتاب، على أنه متواترٌ عَملاً وإن لم يكن متواتراً سنداً، لأنَّ السند عبارةٌ عمن عمن، وفي تواتر الطبقة يكون أَخْذ الطبقة عن الطبقة، وثالثاً أنه ليس من باب الزيادةِ، بل تنقيحٌ للمناط، لقوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاْخْتَيْنِ} فافهم.
ل
وهو في اللغةِ أن يَبُول الكَلْبُ بِرَفْع إحدى رجليه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجمع العلماء أنَّ نِكاح الشِّغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صِحّته: ومَذْهبُ الإِمام أبي حنيفةَ أنه يصح ويجِب مَهْرُ المِثْل، وذهب البعضُ إلى البطلان. وأصلُ الخلاف في مسألةٍ أُصولية، وهي أنَّ النهي عن الأفعال الشرعية يوجِب البطلان أو لا؟ فَمَن ذهب إلى أنه يوجب البُطلان اختار بطلان الشغار أيضاً، ومن لا فلا. ويقول الإِمام أبو حنيفة: إنَّ ما كان فيه من معنى الفساد فقد أصلحناه، وكافيناه بإِيجاب مَهْر المِثل، فلا وَجْه للفساد أصلاً، ولا نَجِد من حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم تعاملوا مع المَنْهي عنه معاملةَ الباطل دائماً.
5115- قوله: (نهى عن المُتْعة، وعن لحوم الحُمُر الأهلية زمنَ خَيْبر) وعَلّله المحدثون، فإِنه كان في فَتْح مكة دون خيبر، وفيه زيادةٌ عند مسلم، وهي ثلاثة أيام قود مرّ معنا أن هذه الزيادة عندي ليست لكونِ المتعة رُخِّصت لهم في تلك المدّة كما فهموه، بل لأن المهاجِرَ لم تكن له رُخْصةٌ في الإِقامة بمكّة إلاّ بهذا القَدْر. فتلك الزيادةُ ناظِرةٌ إلى هذا الحديث لا لما فهموه. وحينئذٍ يأتي الحديث على ما اخترت في المتعة، ويختار الرجلُ بعدها بين أن يُطلِّقها وبين أن يذهب بها إلى المدينةِ، فإِنها زوجته.
أَكْنَنْتُمْ: أَضْمَرْتُمْ، وَكُلُّ شَيءٍ صُنْتَهُ فَهُوَ مَكْنونٌ.
رخّص القرآنُ بالتعريض ونهى عن التصريح، وذلك لأنّ في التصريح به غمطاً لحقِّ الزوج السابق، وفي النَّهي عن التعريض أيضاً إِعداماً لمصالح كثيرةٍ لها، فورد الشرع بِأَمْر بين الأمرين رعايةً للطرفين. ثُم ما ذكره المصنّف من أمثلةِ التعريض، وإنْ كان بعضُها صريحاً في المعنى المراد، كقوله: إني أريد التزويج، لكنه سماه معاريضَ لكون مراتبِ التعريض مُبهمةً، فهي إلى المجتهد، يجعل منها معاريض ما شاء وصرائح ما شاء؛ قلتُ: وفيه دليلٌ على خلاف ما رامه الحافظ ابنُ تيمية، فإِنه أباح له التعريض بأمْر نهى عن التصريح به، فدلّ على أنّ الشيء قد يكون مَنْهياً عنه، ثُم يجوز بعد اعتبارات. 5124- قوله: (وإنَّ اللَّهَ لسائِقٌ إليك خيراً) أي زوجاً مِثْلي. 5124- قوله: (وإن وَاعَدَت رَجُلاً في عِدّتها، ثُم نَكَحَها بَعْد، لم يُفرَّق بينهما) قلتُ: فلينظر فيه مَنْ ذهب إلى بطلان الشغار، فإنه يجب عليه أن يقول ببطلان نِكاحه أيضاً، فخرج أنَّ النهي ليس للبطلان دائماً.
لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} (البقرة: 232) فَدَخَلَ فِيهِ الثِّيَّبُ، وَكَذلِكَ البِكْرُ. وَقالَ: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} (البقرة: 221) وَقالَ: {وَأَنْكِحُواْ الايَمَى مِنْكُمْ} (النور: 32). واعلم أن ههنا مسألتين: الأولى: أنَّ النِّكاح لا ينعقِدُ إلاّ بِرِضى الوليِّ وإجازته، وإليه ذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد؛ والثانية: أنَّ النِّساء لا أهليةَ فيهن للإِنكاح، فلا ينعقِدُ النكاح بمبارتيهن، وإنْ أجازه الوليّ ألفَ مَرّة. فمحصَّل مذهب الجمهور أنَّ رِضَى الولي مُقدّمٍ على رِضى المولية، وكذا العقد الذي هو عبارةٌ عن الإِيجاب والقَبول، لا يَصْلُح إلا للرِّجال، فإِنْ عَقَدت النِّكاح بِنَفْسها لم يَنْعَقِد، وإنْ رضي به الوليُّ أيضاً. وذهب صاحِبا أبي حنيفةَ إلى اشتراط الولي فقط. فالضروريُّ عندهما رِضى الولي، سواء صدر النِّكاح بعبارته، أو بعبارتها، فإِن عقدت هي بنفسها بعد تحصيل رِضى الولي انعقد عندهما. قلتُ: وليت شِعري مِن أين فَهِموا أن الحديث حُجّة لهم في المسألة الثانية أيضاً، فإِن أَقْصى ما يدلُّ عليه الحديثُ لغةً هو أنَّ رِضَى الوليِّ وشركته أَمْر ضروري، وأنَّ النِّكاح لا يكون إلاَّ بشهودِهِ، سواء لحقته إجازةٌ سابقةٌ أو لاحقة، وسواء صَدَر النِّكاح من عبارةِ المولية أو وَلِيِّها. فالحديثُ إنْ كان حُجَّةً، ففي المسألة الأُولى، وأما المسألة الثانية فلا مِساس له بها. كيف وحديثُ عائشةَ: «أيما امرأة نُكِحت بغير إذْن وَلِيِّها، فنكاحُها باطِلٌ»... إلخ، صريحٌ في أنَّ الضَّروري هو إذْنُ الوليّ لا عبارتُه، ثم لا نُنْكِره أيضاً، فإِنَّ الحنفية قد أَقَرُّوا به في بعض المواضع، فقالوا: لو نكحت في غيرِ كفء بغير إذْن الوليّ، بطل نِكاحُها في رواية الحسن بن زِياد عن أبي حنيفةَ، وإن كان ظاهر الرواية خلافه، ثُم للوليِّ ولايةُ الفَسْخ بالمرافعة إلى القاضي في ظاهر الرواية أيضاً. وبالجملةِ ليس فيه ما يدلُّ على أنَّ النِّكاح لا يَنْعَقِدُ إلاَّ بِلسان الرِّجال، ولا حرف، اللهم إلا أن يُقال: إنَّهم أخذوه نظراً إلى العُرْف، فإِن انصرام أمورِ النِّساء لا يكون إلا بالأولياء في العُرْف، أو يقال: إنَّ حديث: «لا نِكاح إلاّ بوليّ»، لما كان مُصدّراً بنفي النِّكاح، والنكاح عبارةٌ عن العقد، زعموا أنَّ معناه: عَقْد النِّكاح لا يكون إلا بالأولياء، والعقدُ عبارةٌ عن الإِيجاب والقُبول، فخرج أنَّ الإِيجابَ والقَبول في باب النِّكاح ليس إلاَّ إلى الرجال، وأما قوله: «الأَيّم أحقُّ بنفسها»... إلخ، فإِنّهم حملُوه على أنَّ الوليَّ مأمُورٌ بتحصيل رضاء موليته. هذا نضد الحديثين عندهم، وستعف ما هو عندنا. ومذهب أبي حنيفة أن رضى المُولّية مقدَّم عند تعارض الرِّضاءين، مع كونِها مأمورةً بتحصيل رِضى الولي، وكذا المُولَّى مأمورٌ بتحصيل رضائها، فلم يستبدَّ به واحدٌ منها، فإِنه أَمْرٌ خطيرٌ لا بد فيه من اجتماع الرضاءين، ثُم لما كان اشتراطُ رِضى النِّساء لِحقّهن في أَنفسهن، فَدّمه على رِضى الولي. وقد صَرّح الحنفيةُ باستحباب شهودِ الولي في بعض المواضع، وبوجوبه في بعض، فإِن عَضَل الوليُّ، ولم يرض بحيلةٍ، فالمسألة فيه عند الشافعية أن يَعْزِله القاضي، ويقيم ولياً آخَر مقامَه ليتولى أَمْرَ نكاحها. وقال الحنفية: إن نَكَحت كُفؤاً بِمَهْر مِثْلها، فالمتعنت هو الوليّ، فلا يُعبأ به ولا يُبالي بأمره، نعم إن نكحت من غير كفئها، أو بأَقلَّ مِن مَهْر مِثْلها، فللولي أن يرافع أَمْرَها إلى القاضي، ويفسخَه ليدفع عن نفسه العار. هذا هو تحرير المذاهب. والحديث حُجّة لهم في المسألة الأُولى. فنقول أَوّلاً: إنَّ ما تقرر بعد البحث أنَّ الحديث حسن، حتى صَحَّحه بَعْضُهم أيضاً، إلا أنه لم يكن على شَرْط المُصَنّف، فأدخله في ترجمة الباب، ولم يُخرِّجه في المسانيد. وأما جوابه عند الحنفية في القوم، فَليُرَاجع في مواضعه. أما أنا فأذكر لك ما سنح لي، ولا بد له مِن تمهيد مقدّمة، وهي أنه قد تَقرَّر عندنا مِن سَيْر طريق الشارع: أنّ كلَّ أَمْر يقوم بجماعةٍ يُراعى فيه حالُ الطرفين، والأحاديثُ فيه تَرِد في الجانبين، وذلك هو الأَصْلح لإِقامة النَّظْم. فالصوابُ في هذه المواضِعَ أن تُجْمع أحاديثُ الطرفين، ويُؤْخَذ المرادُ مِن مجموعها. ومَنْ يقصر نظرُه على حديثِ الجانب الواحد، فإِنه لا يُدْرك من مرادِ الشارع إلا شطراً منه، ولن يأتي على تمامه، كيف وتمام مراده ليس إلاّ في المجموع. ونأتيك بأربعة أَمْثلة من هذا الباب فالأوّل: معاملة الزَّكاة، فإِنها تقومُ على المُعْطي والعامل، فالأحاديث فيها على هذه الشاكلةِ فقال لأصحاب الأموال- كما في «المِشكاة»: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم : «سيأتيكم ركيبٌ مبغضون- أي العاملون- وإنما تبغضونهم لأَخْذهم الزكاة من أموالكم، فإِن جاءوكم فَرحِّبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإِن عدلوا فلأنفسهم، وإنْ ظلموا فعليهم، وأرضوهم، فإِن تمام زكاتِكم رضاهم، وليدعُوا لكم» رواه أبو داود. وعنده أيضاً عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناسٌ- يعني من الأعراب- إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا: إنَّ أُناساً من المصدقين يأتونا، فيظلمونا. فقال: «أرضوا مصدقيكم. يا رسول الله، وإنْ ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم وإنْ ظُلمتم»، وفي حديثٍ آخر عنده عن بشير بن الخصاصية، قال: قلنا: إنَّ أهل الصدقةِ يعتدُون علينا، أَفَنكْتُم من أموالنا بِقَدْر ما يعتدون؟ قال: «لا»؛ ولما خاطب العاملين قال لهم: «وإياكم وكرائمَ أموالِهم، واتقِ دعوةَ المظلوم، فإِنها ليس بينها وبين الله حِجابٌ». وقال: «المعتدي في الصدقة كما نعها» اه. فانظر الآن كيف وجدت الحدِيثَين، وهل ترك الأحاديث في الأَوّل لصاحب الأموال حقاً؟ فإِن وفيت حَقّها في الألفاظ ساغ لك أن تقول: إنَّ رضاهم من تمامية الزكاة بأي نحوٍ كان، وأنه يجوز لهم الظُّلم أيضاً، فما بكرائم الأموال؟ ثُم إنْ صَرَفت النَّظر إلى الأحاديث في العاملين، وجدت أنّهم لا حقَّ لهم في أموالهم الكلايمة، ومَنْ يتعدَّى منهم كان عليه مِثْل وِزْر المانع، فكيف بِمَن ظلم عليهم والوَجْه أنَّ الأحاديثَ في مِثْل هذه تخرَّج على التشديد في الجانبين، لتكون أحفظَ لحدود الله، فيقف كلٌّ منهما على حِدَة، وهذا هو الطريق في جميع أحاديث الوَعْد والوعيد، فإِنها تَرِد مُرسلةً عن القيود والشروط لتكون أرغب، وأهيب. ومَنْ لا يراعيه يَزْعمُ الكلامَ ناقِصاً، ثم يزيد عليه القيودَ مِن قِبَله كالإِصلاح له. وهذا السّلف لم يكونوا يتقدمون إلى مِثْله، بل كانوا يكرهون التأويل. ودونك نظيراً آخَرَ من باب الصلاة، فقال للرجال: «لا تمنعوا النِّساء حظوظَهن من المساجد»- أو كما قال- كأنه يُرَغِّبهن في الإِتيان إلى الجماعات، فلما خاطبهنَّ قال: «إنَّ صلاةَ إحداكُنَّ في مخدعها خيرٌ من صلاتها في بيتها»- أو كما قال . فذكر أنَّ أفضل صلاتهن ما كانت أخفى عن الأعين. وخُذ نظيراً ثالثاً من باب إطاعة الأمير، فإِنه لما خاطب النَّاس أمرهم بإِطاعةِ الأمراء، وإنْ أُمِّر عليهم عَبْدٌ حبشيٌّ، مجدع الأطراف، إلا أن يروا كُفْراً بواحاً. ثُم لما انصرف إلى الأُمراء، وَعَدهم بالنَّار، حتى خِيف عليهم أن لا يَنْجوا منها رأساً برأس. وهاك نظيراً آخَر تكميلاً للأربعة: ما جاء في التشديد في السؤال، فإِنه قال للناس: إنَّ للسائل حقاً ولو جاء راكباً على فرس، ولما تَوجَّه على السائلين جعل سؤالهم خموشاً، أو خدوشاً، أو كدوحاً في وجهه. وإذا أَتْقَنت تلك النظائر من الشَّارع: فاعلم أنَّ الأحاديث في أَمْر النكاح أيضاً وردت بالوجهين، ألا ترى أنه لما خاطب النساء أخبرهن أن لأوليائهن حقاً عليهن، حتى خيف منها أن لا يبقى لهن حَقٌّ في أنفسهن، وهذا في نحو قوله: «أيما امرأةٍ نكحت بغير إذْن وَلِيها، فنكاحُها باطلٌ باطِلٌ باطِلٌ». فليس في تكرار «باطل باطل» غير المبالغة، وتأكد مطلوبية الإذْن، والغرض مخرج على ما قلنا بعينه. فاعرف مدارِكَ الكلام، أبصرك اللَّهُ، وزادك بصراً وبصيرة؛ ولما تَوجَّه إلى الأولياء قال لهم: «إنَّ الأَيِّم أحقُّ بنفسها مِن وَليها، كأن الأولياءَ ليس لهم دَخْل في البين، وإنما سلك الحديثُ في هذه المواضع مسلك الإِجمال، لما عَلِمت أن هذا هو الأنفعُ في الناس، وأَدْعى لهم إلى العمل. ولعلك عَلِمت الأن أن مرادَ الشارع في المجموع، وإنما أُدِّي في كلَ من الحديثين شطر شطر، فمن تَمسّك بواحدٍ منهما فكأنه لم يأخذ إلاَّ بشطرِ المراد، وهذا الذي يلوحُ من كلام الطرفين. فإِنَّ الشافعية جعلوا حديثَ: «لا نِكاح إلا لوليّ» حجةً لهم، وأَوّلوا في حديث: «الأَيِّم أحقُّ»... الخ، كأنه يخالفهم. وكذا يَظهَر من كلام الحنفيةِ أنَّ حديث: «الأَيِّم أَحقُّ»... إلخ، حُجةٌ لهم، وحديث: «لا نِكاح إلاَّ بوليّ يخالِفُهم»، فهم يطلبون عنه مَخْلصاً، والأَمْر على ما قَرّرت: أنَّ مراد الشَّارع في المجموع، وإنَّما فصل في مراده، وألقى على كلَ من الفريقين قطعةً قطعة لإِقامة النَّظم، ولا سبيل إليه إلاّ أن يُرْشد الأولياءَ لِطلب رِضاهنّ، وتؤمر النِّساء بشركة الأولياء، فلا يفتتن النِّساء على الأولياء، ولا يضيّق الرجال على النساء. وليس الأَمْر أنهما حديثانِ متعارِضان، لِتطلب له صورةُ التوفيق. وبعبارة أخرى إنَّ حديث: «لا نِكاح إلاَّ بولي»، لم يرد فيما تعارَضَ فيه الرضاءانِ، وإنَّما هو في بيانِ منشأ الشَّارع: وهو أنَّ المُولية مأمورةٌ بتحصيل رِضاه، كما أنه مأمورٌ بتحصيلِ رضاها، فإِذا توافق الرضاءان تحقق منشؤه. أما إذا تعارَضا، فهل يقدّم رضاها على رضاه أو بالعكس؟ ففيه قوله: «الأَيِّم أحقُّ بِنَفسها مِن وليها، والنظر المعنويُّ يؤيدُه، فإِنها إذا نكحت من كفئها بمهر مِثْلها، ثُم لم يرض الولي، عُلِم أنه مُتعنِّت، فأيّ عبرةٍ به، وحينئذ يظهر حَقُّها الذي هو حَقّها، وفيه حديث: «الأيِّم أحقُّ»... إلخ. واهتديت إلى هذا الجواب من لفظِ محمد رحمه الله تعالى، وإذ ثبت أن الحديثَ لا يدلُّ إلاّ على إذْن الولي، ظهر أن تمسّكهم به على المسألةِ الثانية تطاوُل. ثُم هل اشتراطُ الإِذْن لكونه حقّاً للوليّ أَم نظراً إلى المُولية؟ فالنظرُ فيه دائرٌ: فذهب الجمهورُ إلى أنه لكونه حَقّه؛ وذهب أبو حنيفة أنه نظراً للمولية، لنقصان عقلهن وسوء فِكْرهن، فكثيراً ما لا يهتدين إِلى المصلحةِ، ولعدم حمايةِ الحسب منهنَّ غالباً، فربما رَغِبن في غير الكُفء، وفي ذلك عارٌ على قومها، فاشترط الإِذنَ لِتنْسدَّ المفسدةُ. فإِن كان الأَمْرُ كذلك، فالنَّظرُ يَحْكُم أن يُقدّم رضاؤها على رضائه، إنْ تعارض الرضاءان، فليمعن النَّظر في هذا الحَرْف: فإن ثبت أنَّ إثبات الولاية لِكونها حقَّ الوليّ قَوِي مَذْهَبُهم، وإن ثبت أنه لكونها نظريةً، تأيّدَ مذهبُنا. ثُم اعلم أنَّ الوِلاية وِلايتان: ولايةُ إجبار، وولاية استحباب. والأُولى عندنا في الصغيرة، أما الكبيرةُ فلا إجبار عليها. ومعنى الإِجبار نفاذُ النِّكاح عليها بدون رضاها، دون جَبْرها على النِّكاح. وفَرّق الشافعية بالبَكارة، والثيابة: فجعلوا ولايةَ الإِجبار في الباكرة دون الثيب، ولم يعبأوا بالصِّغر والكِبر. وعلى هذا لا إجبارَ عندهم على الثَّيّب الصغيرة، وعندنا عليها ولايةُ الإِجبار لِصِغَرها. فالصورُ أربعٌ، ذكرها صاحِب «الهِداية»، وفصل الخلافية عن غيرها. قلتُ: لا ريبَ أنَّ المؤثر هو الصِّغر، ولا دخل فيها للثيابة والبَكَارة، ولذا أفتى السُّبْكي- مع كونه شافعياً- على مسألةِ أبي حنيفة، ولم ير في البَكارة البالغة ولايةَ الإِجبار. هذا كلامٌ في شَرْح الحديثين، أما دلائلُ الحنفية فقد بسطه الشارحون، فراجعه. 5127- قوله: (نِكاحَ الاستِبْضَاع) والاستِبْضَاع طَلَبُ الجِماع.
وَخَطَبَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلاً فَزَوَّجَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ. وَقالَ عَطاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلاً مِنْ عَشِيرَتِهَا. وَقالَ سَهْلٌ: قالَتِ امْرَأَةٌ للِنبي صلى الله عليه وسلّم أَهَبُ لَكَ نَفسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. كابن العَمِّ بِبِنْت عَمِّه، وحينئذ هل يكفي له اللفظُ الواحد، أو يجب اللفظان؟ فليراجع له «الكنز». وأما ما في حديث البُخاري من قوله: «قد تَزَوجتك»، ففيه لفظ واحد فقط. ثُم في «الهداية» أنَّ إحدى الصِّيغتين إذا كانت للأَمر، والأُخْرى للماضي، انعقد النِّكاح. ثُم للمشايخ فيه بَحْث، وهو: أن صِيغَةَ الأَمْر منهما إيجابٌ والماضي قَبول، أو أنها توكيلٌ والماضي يقوم مَقامَ الإِيجاب والقَبول؟ وليراجع له «البحر الرائق».
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4)، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ البُلُوغِ.
وَقالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيَّ حَفصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ. لقوله تعالى: {وَاللَّتِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4)، فجعل عِدَّتَها ثلاثةَ أشهر قبل البلوغ، فجعل اللَّهُ سبحانه عِدّة غيرِ الحائض ثلاثةَ أشهر، ومعلوم أنها لا تَعتدُّ إلا بعد النِّكاح، ثُم الطلاق. والظاهر أنَّ الصَّغير لا يُنْكِحه إلا أبوه، فظهرت الترجمةُ.
بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». والسلطانُ قد يكون وَلياً في فِقْهنا أيضاً، كما إذا لم يكن له العَصَبة بنفسه.
والظاهر أنه أشارَ إلى مُوافَقَتِه لأبي حنيفة، أنَّ وِلاية الإِجبار تنقطع بالبلوغ، لأنَّ الصغيرة لا وِلاية لها على نفسها، فهي مستثناةٌ عَقْلاً. 5136- قوله: (حتى تُسْتأمر) فَرْق الحديثُ في اللفظ، فَوَضَع الاستئذانَ في البكر، والاستئمارَ في الثَّيّب، والسرُّ فيه أنه لا بد في الأَيِّم مِن الإِذن قَوْلاً، بخلاف البِكْر، فإِنه يكفي لها السكوتُ أيضاً.
لم يقيده ههنا بالصغيرةِ مع كونه لازِماً، وصَرَّح بالبُطلان، على خلافِ الشافعيِّ. 5138- قوله: (إنَّ أباها زَوَّجها، وهي ثَيِّب) وذكر الآخَرُون أنها كانت بِكراً، فلم ينفصل منه شيء.
لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا في اليَتَامى فَانْكِحُوا} (النساء: 3)، وَإِذَا قالَ لِلوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ، فَمَكُثَ سَاعَةً، أَوْ قَالَ: ما مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا، أَوْ لَبِثَا، ثُمَّ قالَ: زَوَّجْتُكَهَا، فَهُوَ جائزٌ. فِيهِ سَهْلٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم وهي التي لا أب لها، ولا وليَّ لها، فإِذا مات أبو الصغيرة ولا وليّ، فلا سبيلَ للنِّكاح حتى تَحِيض، وكذلك عند الشافعيّ، فإِنه إذا لم تكن عنده ولايةُ الإِجبار على الثَّيب الصغيرة، عَضَلَت عن النكاح ما لم تبلغ، لأنها إما أن تَعْقِد نكاحَها بنفسها، فالنكاح لا ينعقد عندهم بعبارة النساء، وإما أن يعقد عليها وَليُّها، فليس له وِلايةُ الإِجبار. قوله: (فَمَكُثَ ساعةً) أي لم يتبدّل المَجْلِس. قوله: (أو قال: ما مَعَك) فالمجلس لا يتبدّل بهذا القول، وحينئذ يرتبِطُ القَبول مع الإِيجاب، لكونِهما في مجلس واحدٍ.
ل بِكَذَا وَكَذَا، جازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَقُل للِزَّوْجِ: أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلتَ
وهي المسألةُ التي ذكرناها: أنَّ إحدى الصِّيغَتين إذا كانت صيغةَ الأَمْر، والأُخْرى صيغةَ الماضي، فماذا تخريجه فيه؟.
يعني أنَّ القرائن الدَّالةَ على إرادةِ تَرْك التزوج كافيةٌ، ولا يحتاج إلى أن يصرِّح به أيضاً. 5145- قوله: (ولو تَرَكَها لَقَبِلْتُها) قاله أبو بكر لعمرَ. بقي أن أبا بكر كيف عَلِم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم تارِكُها؟ قلتُ: بهذه القرائن التي يعرف بها الدّنيا.
وهي مُستحبَّةٌ، إلا أنَّ الحديث فيه ليس على شَرْطه، فأتى بحديثٍ في الجنس. 5146- قوله: (إنَّ من البيانِ لَسِحْراً) يحتمل أن يكونَ مَدْحاً، كما يحتمل أن يكون ذَمّاً.
ويُستفاد من تكملة «فتح القدير» جوازُ الطَّبل أيضاً، لأنّه لا حَظَّ فيه للنَّفْس، وإنما يتلذّذ به مَنْ مُسِخ طَبْعُه، وهو المختار عندي، وإنْ كان فيه خلاف للشاه محمد إسحاق، فظهر أن المناط على حَظِّ الطبائع السليمة.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً} (النساء: 20) وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ} (البقرة: 236). وَقالَ سَهْلٌ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «وَلَوْ خاتَماً مِنْ حَدِيدٍ».
وَقالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَقالَ المِسْورُ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّم ذَكَرَ صِهْراً لَهُ، فَأَثْنى عَلَيَهِ في مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قالَ: «حَدَّثَني فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لي». والظاهر أنه اختار مَذْهب الشافعي في عدم تعيينِ المَهْر، وقال أبو حنيفة: لا مَهْر أقل من عشرةِ دراهمَ. إلا أنَّ في إسناده حجاجَ بن أَرطاة، وحَسّن الترمذيُّ حديثَه في غير واحد مِن المواضع من كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يعتبرون بتحسينه، أما أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأنَّ الناس عامّة ينظرون إلى صورةِ الإِسناد فقط، والترمذيُّ ينظر إلى حاله في الخارج أيضاً، وهذا الذي ينبغي، والقَصْر على الإِسناد فقط قصور، والطَّعْن فيه أنه كان يَشْرب النبيذ. قلتُ: ولا جَرْح به عند أهل الكوفة، فإِنه حلالٌ عندهم. وقالوا أيضاً: إنَّه كان مُتكبّراً؛ قلتُ: دعوها، فإِنها كلمةٌ مُنْتِنة، واتركوا سائرَ الناس عز وجل. وقالوا: إنه كان يَترك الجماعة؛ قلتُ: نعم هذا الجرح شديدٌ، إلاّ أنه نُقل عن مالك أنه لم يأت المسجدَ النبويَّ إلى ثلاثينَ سنةً، فَسُئل عنه. فأجاب: أنَّ كلّ أَحَدٍ لا يقدر على إظهارِ عُذْره، فحسنه العلماءُ على جوابه، كما في «التذكرة»؛ قلتُ: نعم، وذلك لأنه كان إمَاماً عظيماً أَتَاه الله عِلْماً وحِكْمة، وقَبولاً، فنكسوا رءوسهم. أما الحَجّاج فكان رَجُلاً من الرجال، فتكأكأوا عليه كالتكأكؤ على ذي جِنّة. ثُم الشيخُ ابنُ الهُمام أتى بحديثٍ في تقدير المَهْر في باب الكفاءة، وهذا من زياداتِه على الزَّيلعي، وقد زاد عليه في موضع آخَر، وإلاَّ فجميع كتابِه مأخوذةٌ من الزَّيلعي، ولم يأت عليه بشيءٍ جديدٍ، ونقل الشيخُ تصحيحَه عن الحافظ بُرْهان الدِّين الحَلَبي، إلا أنه لم يكن عنده إسنادُه، ثُم ذكر الشَّيخ ابنُ الهُمام أنَّ بَعْضاً من أصحابه جاء بسندِه من عندِ الحافظ ابنِ حَجَر، والحديث بذلك السَّند ليس أَقلَّ من الحَسَن. قلتُ: وأَكْبر ظَنِّي أن هذا البَعْضَ الذي جاء بسنده،- هو تلميذُه ابنُ أمير الحاج- وهو نِصاب القَطْع، في باب السَّرقة عندنا. وله حديثٌ قويٌّ عند النَّسائي، والرأي فيه عندي أنَّ المَهْر، وكذا نِصار السَّرقة كانا قَليلين في أَوَّل الإسلام، لعسر حال المسلمين، فلما وَسَّع الله تعالى عليهم زِيد في المهر ونِصاب السرقة أيضاً، حتى استقرَّ الأَمْر على عشرةِ دراهمَ فيهما، فلا نَسْخ عندي. وحينئذٍ جاز أن يكون نَحْوُ خاتم حديد تمامَ المَهْر في زمن، ولك أن تحمله على المُعَجّل أيضاً. فالصُّورُ كلُّها معمولةٌ بها عندي، وإن انتهى الأَمْر إلى العشرةِ. فائدة واعلم أنَّ الحافِظُ بُرهان الدِّين الحلبي الحنفي يقالُ له: ابنُ السِّبْط العجمي أيضاً، وهو متأخِّرٌ عن الزَّيْلعي بقليل. وهذا الذي كان الحافِظ ابنُ حجر فَوَّض إليه جميعَ كُتُبه ليستفيدَ منها ما شاء، إلا أنَّ مصنَّفاتِه ضاعت في زمن تيمر، وكان الظالم أَحْرَقها بين عَيْنيه، ليزيدَه حُزْناً وحَسْرةً، فإِنَّا وإنّا إليه راجعون.
وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ تَشْتَرِطِ المَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا. واعلم أنَّ الشَّرْع قد بالغ في إيفاء ما وعد به في النِّكاح، لكونه من باب المروءةِ وسلامةِ فِطْرة الإِنسان. والشيء إذا كان من معالي الأخلاق يُحرِّض عليه الشَّرْع، لأن الإِسلام جاء مُتمِّماً لمكارِم الأخلاق. وفي الفِقْه أن النكاح لا يَبْطُل بالشرط الفاسد، بل يَصِح النِّكاح، ويَبْطُل الشَّرْطُ الفاسد. ثُم إنَّ الفقهاء فرقوا بين التقييد والتعليق، وراجع الفرق بين قوله: إنْ كُنتَ عالماً فقد زَوَّجتك، وبين قوله: وَوَّجْتك على أنك عالِمٌ. وقد تَعَرَّض إليه صاحِبُ «الهداية» أيضاً، والعجب أنه التبس على صاحب «تنوير الأبصار» مع أن الفَرْق المذكورَ دائرٌ في سائر الفِقْه.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
فإن كانت الصُّفْرَة صُفْرة الزَّعْفران، فهي حرامٌ على الرِّجال، فإِن انتقلت إليه من ثواب امرأته، فهي عَفْوٌ.
والعِرْس- بالكسر- أَوْلى من العُرْس، لأنه بالضمِّ الهديةِ الطعام. واعلم أن في الترجمة إشْكالاً، فإِن المتبادِر من الترجمة كونُهن مدعواتٍ فهن، لا كونهن داعياتٍ، مع أن المراد منه كَوْنُهن داعياتٍ، وهذا هو في الحديث. فقال الحافظ: إنَّ المراد، مِن النساء هي أُمّ رومان. قلتُ: فَلزمه أن يريد من الجمع إياها فقط، وفيه ما فيه. قلتُ: إنَّ اللام بعد المصدر قد تدخل على الفاعل أيضاً، كما صرح به الأشموني في باب فعلى التعجب، فحينئذ النِّساء كلّها مهديات وداعيات، فلا يلزم إطلاقُ الجمع على الواحد، وإليه تلوحُ الترجمة الآتية. وحينئذٍ لا حاجةَ إلى التأويل الذي ذكره الحافِظُ. 5156- قوله: (وعلى خيرِ طائرٍ) اجهى نصيبى صلى الله عليه وسلّم .
أي كما كان أهلُ الجاهلية يفعلونه. قلتُ: اللهو في النكاح وإن كان لغواً لكنه يُغمض عنه، بخلاف الرُّسوم في الموت، والفرق قد مرّ. فائدة: البِدعة ما اخترعها صاحِبُها بِحُسْن نية، فالتبست بالشرع. وراجع لها «إيضاح الحقّ الصريح» للشاه إسماعيل، و«كتاب الاعتصام» للشاطبي. بقي ما حُكْم تلك البدعة؟ فنظر الحنفية فيها على التفكيك، فقالوا: إنه يُثاب على صباحةِ نِيّته، ويعاقب على قباحةِ الابتداع، كالصلاة في الأوقات المكروهة، وكالصوم في يوم النَّحر في قول، وفي قول آخر: إنه لا ثوابَ له فيه أصلاً، وهو المختار عندي. وإذن ما يقرءون الكلماتِ الطيباتِ، والقرآن في رسومِ البدعات، يكون فيها أَجْرٌ بِقَدْر نياتِهم الحسنةِ، مع لزوم القباحة.
5161- قوله: (قال: إنها ستكُون)... إلخ؛ قلتُ: وقد تعارض فيه اجتهادُ جابر، واجتهادُ زوجته، فزعمت أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم لما كان أخبرنا بالأنماط، فلا بد لنا منها، فلا نُميطُها، وذهب اجتهادُ جابر إلى أن إِخباره بأَمْر لا يوجِب كونه مطلوباً أيضاً. قوله: (الأنماط) جها لردار رومال. وفيه إيماء إلي أنَّ المصنِّف أراد فيما مر قوله: الدعاء للنساء معنى الجمع. ولذا خالفت الحافِظ في شرح الترجمة، فإِنه أراد مِن النساء أُمُّ رومان فقط، وتَرَكْتُه على معناه. وقد أجاز الفقهاءُ الغِناء في العُرْس للجواري الصغيرة، مع شروطه.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وهذا لَفْظُ الحديث، جعله ترجمةً لعدم كونِه على شَرْطه. فعند التِّرمذي: «طعامُ أَوّل يوم حَقٌّ، وطعامُ يوم الثاني سُنّة، وطعامُ يوم الثالث سُمعة»... إلخ. ونحوه عند أبي داود في باب: كم تُستحب الوليمة، من كتاب الأطعمة. وقد ثبت فيه الحديثُ إلى سبعةِ أيام، كما ستجيء إليه الإِشارةُ في ترجمة المصنِّف، وفي حديث آخر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نهى عن طعام المباراةِ. ثُم فَسّرها بطعامٍ يُدْعى له الأغنياءُ دون الفقراء.
5169- قوله: (أَعْتَقَ صَفِيّة وتَزوَّجها، وجعل عِتْقَها صَدَاقها) وهذا العنوان أقربُ إلى نظر الحنفية، كما مرّ.
وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَوْماً وَلاَ يَوْمَينِ.
وفي «الهدايةِ» في غير موضعِه: أنّ الإِجابة واجِبة. والوَجْه في تأكد الإِجابة عندي صيانةُ الطعام عن الإِضاعة. فإِن المضيف يُكْثر الطعام في الولائم، ويتكلّف فيه في أيام الضيافة، فلو تَخلّف الناس عنه لتضرّر به صاحبُهُ. على أن من طريق الناس أنهم يتأخّرون عن دعوة النكاح خاصّة، سَخطةً لما كان جرى بينه وبينهم فيما سبق، فإِنهم يعلمون أنّ صاحب الطعام ليس له بُدّ من الدعوة لهم، فيضطر لا محالة إلى إرضائهم، بخلافه في غير تلك الأيام، فإِنَّ له أن يغمض عنهم، وليست هكذا دعوةُ النكاح، لأنه يلحقه العار من عدم شركة أهل قبيلته فيها، فيضطر إلى إرضائهم لا محالة، ولذا حَرّض الشَّرْع أن يجيبها، ولا يمتنع عنها. قوله: (ومَنْ أَوْلم سبعةَ أَيّام)... إلخ. إشارةٌ إلى الأحاديث التي فيها تلك المُدّة. 5176- قوله: (أَنْقَعَت له تمرَاتٍ من الليل)... إلخ. وكان مِن دأب العَرَب شُرْب النَّقِيع بعد الطعام.
5180- قوله: (فقام مُمتناً) أي احسان كرتى هوئى وفي نسخة: «ممتثلاً». وقد مر معنا الكلام في أنه متى يجوز القيام ومتى لا يجوز. وقد حَرّر السيوطي رسالة في جواز القيام المروج في المولود المشهور، ورد عليه في «المدخل».
وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً في البَيتِ فَرَجَعَ. وَدَعا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ، فَرَأَى في البَيتِ سِتْراً عَلَى الجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَلَبَنَا عَلَيهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشى عَلَيهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشى عَلَيكَ، وَاللّهِ لاَ أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَاماً، فَرَجَعَ. وفيه حكايةُ في «شرح الوِقاية» من باب الحظر والإِباحة: أن أبا حنيفة دُعي إلى طعام كان فيه من مُنْكرات الأُمور، فأجاب إليه مرة، ولم يجبه أخرى، ورجع من الطريق، وكان أبو يوسف معه فسأله عنه، فقال له: إني إذ كنتُ أجبتُه لم أكن مقتدىً للنَّاس، فلما جُعِلت قدوةً رجعت من الطريق لئلا يتأسوا بي في مثله أيضاً. فَعُلم أن لا كلية فيه، بل الأَمْر على التارات، فقد تكون الإِجابةُ أصلحَ تخلصاً عن الفتنة، إذا لم تكن فيه مفسدة، وقد يكون الاحترازُ أَوْلى.
أي تخدُم المرأةُ، وزوجةُ الرجل بنفسها أضيافَ زوجها. 5182- قوله: (أماثته له) الإِماثة: الطّرْح في الماء حتى يَنْحل.
أي الإِغماض على تقصيراتِ النِّساء، ويقال في محاورة الأردوية طرح دنيا خاطر تواضع كرنا. 5184- قوله: (إن استَمْتَعْت بها استمتعت بها وفيها عِوَجٌ) ويُسْتنبط منه أن نظاماً إذا احتوى على خلل، وكان في إصلاحه خشية النقض رأساً، ناسب ترك التعرض له، والاستمتاع به على عِوَجه، فإِن تعذّر فتركه أَوْلى.
قوله: (فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهو) يعني تسمع تلك الجارية اللّهو. واعلم أنَّ هذه القصة قَبْل نزول الحجاب على أنّ النظر إلى الوَجْه جائزٌ على المذهب، وإنما نهى عنه المتأخرون لفساد الزمان. 83- بابُ حُسْنِ المعَاشَرَةِ مَعَ اْلأَهْلِ
خاوند كى معامله مين باب ابتى بيئى كو نصيحت كرى. 5191- قوله: (لا تُراجِعِيه) جواب صلى الله عليه وسلّم ير كنر دى. 5191- قوله: (أي حَفْصة، أتغاضِبُ إحداكُنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ؟... إلخ، والمغاضبة في حَقِّ الأزواج خلافُ الأَوْلى، أما في حقِّ غيرهن فتبلغ إلى الكُفْر. وهذا كما أخذ موسى عليه الصلاة والسلاملحيةَ هارونَ عليه السلام، ولو تقدّم أحدٌ غيْره إلى مِثْله لَكَفَر. فالشيء الواحدُ يكون موجِباً للكفر باعتبار دون اعتبار.
5193- قوله: (لَعَنتها الملائكةُ) فإِنهم موكلون على إصلاحِ الأمور، فإِن أتى أحدٌ بطاعةٍ يدعون له، وإن ارتكب معصيةً يلعنونه.
5195- قوله: (وما أنفَقَت من نفقةٍ من غير أَمْرِهِ) أي غير أمره الصريح وإن علمت برضاه دلالةً، وإلاّ ينبغي أن لا يكون لها أجْرٌ أصلاً.
قوله: (فكان عامّةُ مَنْ دخلها المساكينُ، وأصحابُ الجدِّ محبوسون) وعند الترمذي أن فقراء المهاجرين يدخلون الجَنّة قبل أغنيائهم بخمس مئة عام، وكنت أقمتُ دَهْراً على أن هذا التقدّم لمقاساتهم الأحزان، والمصابرةِ على المصائب، ثُم رأيتُ بعد زمانٍ أن بابَ الجنة الذي يدخل منه المساكينُ غيرُ باب الأغنياء، فإِذا رآهم الأغنياءُ تسارعوا إليه ليدخلوه أيضاً، فيقال لهم: ائتوا من بابكم، فيأتونه، فيتأخّرون عنهم بتلك المدة. وذلك لأنَّ المسافة بين البابين خمس مئة سنة، ومِثل هذه النكات كثير في الآخرة. ثُم اعلم أنَّ يوماً من الآخرة كألف سَنةٍ من الدنيا، وأما يومُ الحشْر خاصّة، فخمسونَ ألفَ سنة. واختلف المفسِّرُون في تأويل قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: 4). فقيل: هو يوم الحَشْر، وقيل: هو مسافةُ العالم العُلوي، والسّفلي، قلتُ: إلاّ أن الحساب لا يستقيمُ على هذا التقدير، لما في البخاري: «إِنَّ للجنّةِ مئة درجة، ما بين كلّ درجة مسيرةُ خمس مئة سنة»، فحصل مجموع المسافة «خمسون ألفَ سَنةٍ» لدرجات الجنة فقط، وبقيت مسافةُ السّموات السبع، والأرض خارجة عنها. وإن حملناه على المسافةِ التي بين السموات فلا يستقيم أيضاً، كما هو ظاهر، وإذن ينبغي أن تكون تلك مسافةَ الجنةِ فقط، والجَنّة سَقْفُها العَرْش، وقاعدتُها السماءُ السابعة، فتلك المسافةُ من مقعر العَرْش إلى سطح السماء السابعة؛ وقد قررنا ذلك مِن قَبْل أيضاً، وكذا إنَّ المسافةَ من مقعر العَرْش إلى الفلك السابع علاقة الجنة، وأما السموات السبع والأرضون كذلك، فهي علاقةُ جهنَّم، تُسجّر فيها جهنم، فكأن الآخرة فوق السموات، وتلك هي الدنيا. ولذا أرى: القرآنُ متى يذكر الاندكاكَ والانفطار يَخصُّه بالسموات، والجبال وغيرها ولا يذكر لما فوقها شيئاً. أما قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} (الحجّ: 47) فحقّ العربية فيه عندي، أنَّ معناه ما يُعَدّ عند رَبِّك يوماً ينبسط بعينه في تلك الدار على ألف سنة، فإِن البساطة تُناسِب الحضرةَ الإِلهية، فيكون عنده يومٌ، وعندنا ألفُ سَنة. وأما على ما فَهِمه الناس من مراده، فينبغي أن يكون الكلامُ هكذا: وإنّ ألفَ سنة يومٌ عند ربك. وراجع له الفَرْق بين قولهم: زَيْدُ الأمير، والأميرُ زَيْد، بل أقول: إنَّ الزمان من الأَزَل إلى الأبد لمحةٌ عند رَبِّك، لأجل البساطة في حضرته تعالى. 5196- قوله: (وقُمْتُ على بابِ النَّار، فإِذا عامّة مَنْ دخلها النِّساءُ) وقد مَرّ معنا أنَّ مشاهدته تلك ليست كُلِّيةً، بل مشاهدةٌ جزئية تقتصر على هذه الحال فقط. ويؤيدُه ما عند البخاري: «اطلعت في الجنة فرأيتُ أكثرَ أهلِها الفقراء، واطلعت في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء» اه. ففيه إشعار بأنها مشاهدتُه إذ ذاك، ولو أراد الضابطةَ الكلية لقال: «الرِّجال»، بدل: «الفقراء»، ليستقيم تقابُلُه بالنساء، ولكنه ذَكَر الفقراء من جانب، وذكر النِّساء من جانب، فظهر أنه لم يُرِد بيانَ الضابطة.
فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
قالَهُ أَبُو جُحَيفَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم
5197- قوله: (إني رأيتُ الجنة)... إلخ. واعلم أنَّ في تمثُّل الجنة والنار واقعتين: واقعة في صلاة الكسوف، وواقعة أُخرى حين ضَجّره الناسُ بالأسئلة، فقعد على المنبر، وقال لهم: «سلوني ما بدا لكم، ما دمت في مقامي هذا»، وليس فيهما أن نظره نَفَذ إلى الجنة والنار، بل قال: إن الجنة والنار هما اللّتان تَمثَّلتا، فمن أراد إثباتَ عالم المِثال، فتلك مادتُه من الصحيحين.
ويُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيدَةَ رَفعُهُ: «غَيرَ أَنْ لاَ تُهْجَرَ إِلاَّ في البَيتِ». وَاْلأَوَّلُ أَصَحُّ. وإنما هاجر معنا في غيرِ بيوتهن، لأنَّ مهاجَرة النِّساء في بيوتهن أشقُّ عليهن، فاعتزل عنهنَّ، وقد مَرّ معنا أن أزواجَه كنَّ تِسعاً، فإِذا هاجر كُلاًّ منهن ثلاثةً ثلاثةً، حصل سبعةُ وعشرونَ، من ضَرْب ثلاثةٍ في تسع، بقي يومان، فهاجَر فيهما تَكْميلاً للشَّهر، فسقط ما قيل: إنَّ المهاجرة فوق ثلاثة مبنى عليه، فكيف فعلها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وقد ذكرناه من قبل أيضاً. 5203- قوله: (فقال: لا، ولكن آلَيْتُ مِنْهنّ شَهْراً)، دَلّ حديثُ ابنِ عباس هذا على أنَّ الدخل في جلوسه على المَشْربة، كان للإِيلاء فقط، لا كما فَهِمه الحافِظ أنه كان الأَجْل الجحوش والسقوط عن الفرس أيضاً. وقد مرّ معنا أنهما واقِعتانِ في زمانين، جمعهما الراوي في الذِّكر فقط، خلافاً لما زعمه الحافظ، نظراً إلى الاشتراط في جلوس النبيِّ في المَشْربة فيهما، وقد فَصّلناه من قبل، وهذه الرواية تؤيّدُ ما ذكرت.
وَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (النساء: 34) ضَرْباً غَيرَ مُبَرِّحٍ.
قد رَخَّص به الفقهاءُ أيضاً إذا كان ضَرْباً غَيْر مُبَرِّح، وكذا يجوز للوالد أنْ يضرب وَلَده. وأما التغيير باليد فهو مُقْتصِر على ما كان الرَّجُل في المُنْكر، فإِذا خرج عنه ليس له ذلك، ولكن يَرْفع أَمْرَه إلى القاضي؛ فإِما أن يُعزِّره هو، أو يتركه. واختلفوا في ضَرْب الأستاذ لتلامذته، هل له في حَقّ أَم لا؟ والكُلّ لو ضَرَبوا مِن غير حَقّ، أُوخِذُوا به. 5205- قوله: (تمعَّط) سركى بال اركئى جيجك كى بيمارى كى وجه سى.
حقّق الشَّرْع كَوْنه لغواً، وكفّ لسانه عن النهي عنه.
{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَآء} إِلَى قَوْلِهِ: {وسِعاً حَكِيماً} (النساء: 129- 130). رخَّص القرآنُ بتزوّج الأربع من النساء، مع بيان عدم رضائه به، لتعذُّر العَدْل بينهنَّ.
وعلم أنَّ الفقهاء الثلاثة قالوا: إنَّ الجديدةَ إنْ كانت بِكْراً يقيم عندها سَبْعَ ليال، وإن كانت ثَيِّباً فثلاثاً، ولا تكون تلك المدةُ محسوبةً من القَسْم. ولكن يسوي بينهم بعد ذلك. وعندنا الجديدةُ والقديمةُ سواءٌ في القَسْم. وأما قوله: «إذا تَزوَّج البِكْر على الثَّيّب أقام عندها سبعاً، ثُم قَسم»، فمعناه عندنا أَنْ يَقْسم لهن كلّهن بسبعٍ في تلك الدورة، وهكذا، فليفهم في الثَّيّب، ولنا ما عند النَّسائي من قوله صلى الله عليه وسلّم لأُمِّ سَلَمة: «إنْ شِئْتِ سَبَّعتُ لك، وإنْ سبعت لك، سَبَّعت لنسائي». وهو عند الطحاوي أيضاً. وقد ذكرنا ما يتعلق به فيما مَرّ مِرَاراً.
5216- قوله: (فدخل على حَفْصَة) قلت: وهو وَهْم من الراوي، فإِن تلك القِصّة كانت في بيت زينب، ولا دَخْل فيها لحفصةَ.
واعلم أنَّ المساواةَ بين النِّساء إنَّما اعتُبرت في النفقة والبيتوتة وأمثالِها، دون الحقِّ والجِماع، ومِثْلِهما، فإِن الحُبّ يُبْنى على الكمالات، ولا اختيار فيه للرَّجل، ولذا كانت عائشةُ حبيبةَ النبي صلى الله عليه وسلّم قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: «أخذنا نِصْف العِلْم عن عائشة»، وهذا، وإنْ كان على نحو المبالغةِ، لكنه يُشْعر بأن كمالاتِها بلغت في الذرْوَة العليا.
فالجملةُ الأُولى عامٌّ للنَّاس كافَّةً؛ والثانية في حَقّ الضرائر خاصّة، ومعنى قوله النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «كلابِس ثوبي زُور»، إحاطةُ الزُّور به، فإِن المرء إذا لبس ثوبين ستر نفسه من القَرْن إلى القدم، والمراد كونُه كاذباً، بل كَذِباً من الفوق إلى التحت. ويحتمل أن يجعل له الكذب ثَوبين في جَهنَّم، على طَوْر التمثيل، كما أن النائحة تُقَمّص قميصاً من قَطِران. فائدة: واعلم أنه طال نزاعُهم في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} (النَّحْل: 112) إنّ فيه استعارةً، أو استعارتين، فإِن الملائم للِّباس هو أَلْبَس، والجُوع أَذَاق. قلتُ: وقد يدور بالبال أن الجُوع والخوف لا يَبْعُد أن يكونا لباسين في جهنّم، كالزور، وكما في حديث النائحة.
|